في غرفته الصغيرة، الكبيرة بمكانتها المليئة بالكتب ذات المعارف النورانية والقيم الفقهية، على الأرض يفرش أدوات الكتابة، حاملة لأقلامه والمحبرة والأوراق البيضاء وفي زاوية أخرى في نفس الغرفة طابعة يطبع فيها ما يكتبه.
هذه الصومعة كانت عالمه كلّه ، وبهذه الصورة دائماً أتذكره يكتب بهدوء ويستمع عبر (المسجّل) ما يزيده اندماجاً حتى أكاد أسمع صوته يترنّم بالكلمات، وجهه مبتسم عيناه عميقتان ترى ما لا يراه الآخرون ويعرف ما بداخلك دون أن تحكي ، النظر إلى وجهه راحه ، وعاطفته تتسع لكل العائلة كبيراً كان أو صغيراً.
بالمدينة المنورة رحمه الله كان استقراره حتى وفاته ، وهناك تعلّق بالحبيب مصطفى المحضار حيث قام بتسجيل مكاتباته على شرائط (كاسيت) بصوته الجهوري الرخيم والأسلوب البديع في القراءة ، وتولّع بكتب السلف فقام بنسخ العديد منها يدوياً بخط يده دون تعب أو ملل لأنه من المحبين لهم وأراد أن يحفظ هذا العلم لينقله إلى الأجيال من بعده، حيث قام بتوزيعها بعد نسخها للمحبين والراغبين مجانا ، توفاه الله يوم الخميس ليلة الجمعة في 25 من شهر شوال الموافق 9/11/2004م و دفن في جنة بقيع الغرقد رحمه الله .
جدي وحبيبي محسن بن سالم له سيرة عطرة ، قد لا يعرفها جيلنا الحالي ولم نتعمّق في تفاصيلها ولكنه كان يرويها لنا رحمه الله ببساطة كلماته ورخامة صوته ، يغمض عينيه وكأنه يعيش الذكريات القديمة ليوصل إحساسه لنا، ربما كنّا صغاراً حينها ولكن أسلوبه في سرد الروايات كانت تشدّنا، نجتمع فنطيل جلستنا عنده لنسمع أكثر عن القصص وحكايات أجدادنا وحبايبنا وأسلافنا.
هو سيدي الحبيب محسن بن سالم بن محمد بن عبدالله بن محسن بن سالم بن أبوبكر بن حسين بن أبوبكر بن سالم بن عمر بن عبدالرحمن بن عقيل العطاس والملقّب بـ (هبهب)
مولده في بتاوي ( جاوه ) في العام 1926م الموافق 1344هـ، وكما هي السنة النبوية وعادة السلف فقد قام بتحنيكه الحبيب الولي عبدالله بن محسن العطاس ( مولى بوقور ) والتحنيك سنة واردة عن الرسول الكريم (صلى الله عليه وسلم)، وتعنى مضغ التمر، أو الشيء الحلو كالعسل بفم شخص صحيح غير مريض، ووضعه في فم المولود، وذلك حنكه به.
بعد ذلك خرج إلى حضرموت في عام 1349هـ وعمره آنذاك خمس سنوات، وفي عام 1357هـ التحق برباط (تريم) لطلب العلم على عهد الحبيب العلامة عبدالله بن عمر ألشاطري.
استمد الحبيب محسن بن سالم المدد النوراني وتتلمذ على يد بعض من الشيوخ منهم:
- الحبيب العلامة عبد الله بن عمر ألشاطري
- الحبيب علوي بن عبد الله بن شهاب
- الحبيب عبد الباري العيدروس
- الحبيب محمد بن حسين عيديد
- الحبيب المنصب عبد القادر الحداد
- الحبيب المنصب عمر بن عبدالله الحبشي
- الحبيب عبدا لقادر السقاف با عقيل (صاحب قيدون)
- الحبيب جعفر بن أحمد العيدرس
- الحبيب احمد بن علي بن سالم ابن الشيخ بوبكر (منصب عينات)
- الحبيب محمد بن هادي السقاف
- الحبيب سالم بن حفيظ
- الحبيب محمد بن سالم بن حفيظ
- الحبيب أحمد بن حسن العطاس (موشح)
رحمهم الله رحمة واسعة ونفعنا الله بأسرارهم و أنوارهم
لازم شيخه المربي عمه الحبيب محسن بن محمد العطاس الملقب بـ (القاضي) في (عمد) لمدة سنتين وفي هذه المدة استطاع أن يتنوّر بما لديه من علم، ثم عاد إلى الحبيب العلامة عبدالله بن حسين العطاس الملقب بـ (الشامي) ليكون مريداً وملازماً له حتى ينتفع وينهل من علومه.
من خلال سيرته الذاتية وما مرّ به نتعلّم الكثير من الآداب لمريدين العلم والتعلم والعديد من الدروس، حيث كان هناك الكثير من المصاعب في طلب العلم ومع ذلك صمدوا ولم تكن هناك الوسائل التي تيسّر عليهم الوصول، وتفانوا في نقل العلم بكل إخلاص.
كان جدي رحمه الله يتذكّر كثيراً الحرب العالمية الثانية وحصول المجاعة العامة حيث انتقل إلى (المكلا) وعمل في قطاع جيش البادية عام 1945 م، وبالرغم من الأوقات الصعبة لم ينسى الحبيب رحمه الله مراده في البحث عن العلم والتعلّم، وبعد ثلاث سنوات عاشها في (المكلا)، انتقل سيدي الحبيب إلى (السعودية) تحديداً جدة من ثم الرياض حيث نقل ما أخذه من شيوخه وما تعلمه منهم وأسس دروساً للفقه والحديث وقراءة في كتب السلف.
تعاون معه في إنشاء هذه الدروس الحبيب محمد بن حسن العطاس (المبارك) رحمه الله، والحبيب محمد بن أحمد بن (علي بن حسن) العطاس متعنا الله بحياته ، ولا تزال هذه الدروس مستمرة فيها الكثير من الفائدة لمريدي العلوم.
كان جدّي حبيبي يسرد لنا حكاياته مع بعض الحبايب الذي قابلهم واتصل معهم، وبعض من الكرامات التي حصلت والمجالس النورانية التي كان يحضرها معهم ذكر لنا أهم الأسماء منهم:
- الحبيب هدار الهدار رحمه الله ( ساكن المدينة)
- الحبيب عبدالقادر السقاف رحمه الله ( ساكن جده)
- السيد محمد بن علوي المالكي رحمه الله ( ساكن مكة )
- الحبيب سقاف بن زين بلفقيه رحمه الله
- الحبيب عيدروس بن جعفر العيدروس رحمه الله
- الحبيب عبدالرحمن بن مصطفى المحضار رحمه الله ( ساكن الخبر)
- الحبيب عطاس الحبشي رحمه الله
- الحبيب عيدروس بن سالم الحبشي رحمه الله
- الحبيب محمد بن حسين البار رحمه الله
- الحبيب عبدالرحمن بن محمد الجفري رحمه الله ( ساكن مكة)
- الشيخ بوبكر بن عبدالله باسودان رحمه الله ( ساكن الدمام )
- الحبيب مصطفى بن حامد البار
رحمة الله عليك يا حبيبي جدّي ثري بالأخلاق ثري بالعلم ، نور تنورنا به جميعاً، قد تكون ذكرياتي معه ليست بالكثيرة ولكنها عميقة، كنت أتمنى كثيراً أن استغل كل فرصة من حياته لأكون معه، ربما ما لديّ ليس بالكثير والعميق كي يُحكى كمن لازمه ونهل منه، بصراحه لا أعرف كيف أختم لأن دموعي تسبق حروفي. يا رب ارحمه وانفعنا به وأعطنا سر من أسراره واجمعنا به في الفردوس الأعلى
